سورة الأنفال - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله} وما لهم مما يمنع تعذيبهم متى زال ذلك وكيف لا يعذبون. {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام} وحالهم ذلك ومن صدهم عنه إلجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى الهجرة وإحصارهم عام الحديبية. {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} مستحقين ولاية أمره مع شركهم، وهو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء. {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون} من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره، وقيل الضميران {لِلَّهِ}. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن لا ولاية لهم عليه كأنه نبه بالأكثر أن منهم من يعلم ويعاند، أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم.


{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت} أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة، أو ما يضعون موضعها. {إِلاَّ مُكَاء} صفيراً فعال من مكا يمكو إذا صفر. وقرئ بالقصر كالبكا. {وَتَصْدِيَةً} تصفيقاً تفعله من الصدا، أو من الصد على إبدال أحد حرفي التضعيف بالياء. وقرئ: {صَلاَتِهِمْ} بالنصب على أنه الخبر المقدم، ومساق الكلام لتقرير استحقاقهم العذاب أو عدم ولايتهم للمسجد فإنها لا تليق بمن هذه صلاته. روي: أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون. وقيل: كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي يخلطون عليه ويرون أنهم يصلون أيضاً. {فَذُوقُواْ العذاب} يعني القتل والأسر يوم بدر، وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل أن تكون للعهد والمعهود: {ائتنا بِعَذَابِ}. {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} اعتقاداً وعملاً.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أموالهم لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلاً من قريش يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر، أو في أبي سفيان استأجر ليوم أحد ألفين من العرب سوى من استجاش من العرب، وأنفق عليهم أربعين أوقية. أو في أصحاب العير فإنه لما أصيب قريش ببدر قيل لهم أعينوا بهذا المال على حرب محمد لعلنا ندرك منه ثأرنا ففعلوا، والمراد ب {سَبِيلِ الله} دينه واتباع رسوله. {فَسَيُنفِقُونَهَا} بتمامها ولعل الأول إخبار عن إنفاقهم في تلك الحال وهو إنفاق بدر، والثاني إخبار عن إنفاقهم فيما يستقبل وهو إنفاق أحد، ويحتمل أن يراد بهما واحد على أن مساق الأول لبيان غرض الإِنفاق ومساق الثاني لبيان عاقبته وإنه لم يقع بعد. {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} ندماً وغماً لفواتها من غير مقصود جعل ذاتها تصير حسرة وهي عاقبة إنفاقها مبالغة. {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} آخر الأمر وإن كان الحرب بينهم سجالاً قبل ذلك. {والذين كَفَرُواْ} أي الذين ثبتوا على الكفر منهم إذا أسلم بعضهم. {إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} يساقون.
{لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب} الكافر من المؤمن، أو الفساد من الصلاح. واللام متعلقة ب {يُحْشَرُونَ} أو {يُغْلَبُونَ} أو ما أنفقه المشركون في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أنفقه المسلمون في نصرته، واللام متعلقة بقوله: {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب {لِيَمِيزَ} من التمييز وهو أبلغ من الميز. {وَيَجْعَلَ الخبيث بَعْضَهُ على بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً} فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم، أو يضم إلى الكافر ما أنفقه ليزيد به عذابه كمال الكانزين. {فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ} كله. {أولئك} إشارة إلى الخبيث لأنه مقدر بالفريق الخبيث أو إلى المنفقين.
{هُمُ الخاسرون} الكاملون في الخسران لأنهم خسروا أنفسهم وأموالهم.
{قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} يعني أبا سفيان وأصحابه والمعنى قل لأجلهم. {إِن يَنتَهُواْ} عن معاداة الرسول صلى الله عليه وسلم بالدخول في الإسلام. {يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} من ذنوبهم، وقرئ بالتاء والكاف على أنه خاطبهم و{يَغْفِرُ} على البناء للفاعل وهو الله تعالى. {وَإِن يَعُودُواْ} إلى قتاله. {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأولين} الذين تحزبوا على الأنبياء بالتدمير كما جرى على أهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك.
{وقاتلوهم حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} لا يوجد فيهم شرك. {وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} وتضمحل عنهم الأديان الباطلة. {فَإِنِ انْتَهَوْاْ} عن الكفر. {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيهم على انتهائهم عنه وإسلامهم. وعن يعقوب: {تعملون} بالتاء على معنى فإن الله بما تعملون من الجهاد والدعوة إلى الإِسلام والإِخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإِيمان بصير، فيجازيكم ويكون تعليقه بانتهائهم دلالة على أنه كما يستدعي إثابتهم للمباشرة يستدعي إثابة مقاتليهم للتسبب.
{وَإِن تَوَلَّوْاْ} ولم ينتهوا. {فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ} ناصركم فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم. {نِعْمَ المولى} لا يضيع من تولاه. {وَنِعْمَ النصير} لا يغلب من نصره.


{واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم} أي الذي أخذتموه من الكفار قهراً.. {مِن شَئ} مما يقع عليه اسم الشيء حتى الخيط. {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} مبتدأ خبره محذوف أي: فثابت أن لله خمسة. وقرئ فإن بالكسر والجمهور على أن ذكر الله للتعظيم كما في قوله: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} وأن المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين {وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} فكأنه قال: فأن لله خمسه يصرف إلى هؤلاء الأخصين به. وحكمه بعد، باق غير أن سهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين كما فعله الشيخان رضي الله تعالى عنهما. وقيل إلى الإمام. وقيل إلى الأصناف الأربعة. وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه سقط سهمه وسهم ذوي القربى بوفاته وصار الكل مصروفاً إلى الثلاثة الباقية. وعن مالك رضي الله تعالى عنه الأمر فيه مفوض إلى رأي الإمام يصرفه إلى ما يراه أهم، وذهب أبو العالية إلى ظاهر الآية فقال يقسم ستة أقسام ويصرف سهم الله إلى الكعبة لما روي: «أنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ قبضة منه فيجعلها للكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة». وقيل سهم الله لبيت المال. وقيل هو مضموم إلى سهم الرسول صلى الله عليه وسلم. وذوو القربى: بنو هاشم، وبنو المطلب. لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قسم سهم ذوي القربى عليهما فقال له عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما: هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وحرمتنا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وشبك بين أصابعه» وقيل بنو هاشم وحدهم. وقيل جميع قريش الغني والفقير فيه سواء. وقيل هو مخصوص بفقرائهم كسهم بن السبيل. وقيل الخمس كله لهم والمراد باليتامى والمساكين وابن السبيل من كان منهم والعطف للتخصيص. والآية نزلت ببدر. وقيل الخمس كان في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة. {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ} متعلق بمحذوف دل عليه {واعلموا} أي: إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقتنعوا بالأخماس الأربعة الباقية، فإن العلم العملي إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد لأنه مقصود بالعرض والمقصود بالذات هو العمل. {وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا} محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والملائكة والنصر. وقرئ: {عَبْدَنَا} بضمتين أي الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. {يَوْمَ الفرقان} يوم بدر فإنه فرق فيه بين الحق والباطل. {يَوْمَ التقى الجمعان} المسلمون والكافرون. {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} فيقدر على نصر القليل على الكثير والإِمداد بالملائكة.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11